الصناعات الثقيلة.. يد الدولة للنهوض بالاقتصاد

محمد بدراوي: اقتصادية قناة السويس نقطة انطلاق للتوسع في الصناعات الثقيلة
مصطفى بدرة: الصناعات كثيفة العمالة تستحوذ على اهتمام الدولة لتخطي الأزمة الاقتصادية العالمية
خالد سعد: خطة لتوطين صناعة السيارات لتوفير نحو 4 مليارات دولار سنويا
تحقيق: محمد مختار
اهتمام كبير للقيادة السياسية بتطوير الصناعات الثقيلة، وتعميق التصنيع المحلي وزيادة الصادرات، في ظل ما تشهده الدولة من نهضة غير مسبوقة في كل القطاعات، وذلك اعتمادا على ما تملكه من قلاع صناعية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، من خلال الصناعات الاستراتيجية الثقيلة أبرزها الحديد والصلب والألومنيوم والسيارات، بجانب الأسمدة والمشروعات الضخمة بقطاع الطاقة النظيفة من هيدروجين أخضر وأمونيا وطاقة الرياح.
ففي مجال السيارات الدولة تمتلك قلاع صناعية أبرزها شركة النصر للسيارات، وتسعى لإحياء دورها مرة أخرى بما يواكب العصر، وذلك بعقد عددا من الاتفاقيات لتصنيع السيارات بها وخاصة السيارات الكهربائية.
ومؤخرا اعتمدت الجمعية العامة غير العادية لشركة النصر لصناعة السيارات التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، قرار دمج الشركة الهندسية لصناعة السيارات في شركة النصر لصناعة السيارات وذلك في إطار خطة توطين صناعة المركبات الكهربائية بأحجامها المختلفة في ظل التوجه العالمي نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتكوين كيان قوى في هذه الصناعة وتحقيق التكامل بين الشركتين خاصة وأنهما تعملان في نشاط متماثل، ومتجاورتان في موقع العمل بمنطقة وادي حوف في حلوان.. وتتضمن مشروعات الكيان الجديد إنتاج مركبات كهربائية متنوعة من السيارة “السيدان” والميكروباص وبديل للتوك توك، فضلا عن مشروع تطوير البطاريات ونظم التحكم، وذلك بالتعاون مع شركات عالمية ومحلية.
وأطلقت الحكومة استراتيجية لتنمية صناعة السيارات، بهدف جذب استثمارات أجنبية ضخمة لإقامة مشروعات لتصنيع السيارات والصناعات المغذية لها بالمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، لتوفير واردات السيارات البالغة 4 مليارات دولار سنويًا وتصدير السيارات للأسواق الإفريقية.
وعلاوة على ذلك، تبذل الحكومة جهودا حثيثة لتصنيع السيارة الكهربائية، حيث وقعت الحكومة عددا من الاتفاقيات في هذا الإطار، بجانب إعلان عددا من شركات القطاع الخاص اعتزامها البدء في تصنيع سيارة كهربائية.
وقد قامت الأجهزة المعنية باختيار 34 ألف نقطة لإنشاء محطات شحن السيارات الكهربائية، حيث تم تكليف شركة استشارية من أجل تحديد أفضل 3000 موقع لإنشاء 450 محطة شحن، في 3 محافظات هي القاهرة والإسكندرية والجيزة بخلاف الطرق السريعة كمرحلة أولي.

دعم السيارة الكهربائية
وفي هذا الاطارأكد خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعي السيارات، أن توجه الدولة خلال هذه الفترة هو دعم تصنيع سيارة كهربائية، موضحا أن العالم يتجه نحو الانتهاء من السيارات التى تعمل بالوقود الأحفوري، والاعتماد على السيارات الكهربائية، ولذلك يجب دعم وجود سيارة كهربائية محلية.
موضحا أن هناك العديد من المزايا للسيارات الكهربائية حيث أنها توفر للمستهلك مصروفات مراكز الخدمة والصيانة لعدم حاجتها لذلك، مما يوفر الراحة النفسية للعميل.
وطالب الدولة بضرورة إتاحة البنية الأساسية من محطات شحن الكهرباء، وتوزيعها على جميع محافظات الجمهورية لتشجيع المواطنين على اقتناء هذه السيارة، وبجانب تقديم شرح بأهمية السيارة الكهربائية التي تحافظ على البيئة من تلوث العوا دم، مؤكدا أنها ستنتشر بصورة كبيرة بشرط توفير البنية الأساسية ومحطات الشحن في كل المناطق.
وأوضح أمين عام رابطة مصنعي السيارات، أن الدولة رصدت حزمة مالية ضخمة لتوطين صناعة السيارات، في ظل الأزمات العالمية التي تشهدها الفترة الحالية، قائلا: نستورد من الخارج سيارات بقيمة تصل إلى 4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 8 مليار خلال الـ 10 أعوام.
رفع كفاءة صناعة الألومنيوم
وفي مجال صناعة الالومنيوم وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعزيز الجهود القائمة لتوفير المناخ الداعم لقطاع الصناعات الوطنية الثقيلة، وفي مقدمتها صناعة الألومنيوم، وذلك لدورها الحيوي في عملية التنمية الجارية في كل القطاعات بجميع أنحاء الجمهورية، مع حوكمة معايير ضوابط التشغيل والإدارة المالية للمنظومة، حيث اطلع الرئيس مؤخرا على جهود الدولة لتطوير ورفع كفاءة شركة مصر للألومنيوم بالشراكة مع الخبرات الأجنبية، وذلك بهدف تعظيم إنتاج وتصنيع وتسويق معدن الألومنيوم وخاماته، فضلًا عن عرض الموقف المالي ومعدلات الإنتاج الحالية والطاقات القصوى للشركة، وكذا احتياجات السوق المحلي في هذا الصدد وكيفية سد الفجوة بين الإنتاج والاستيراد.
وشهدت الفترة الماضية إجراء دراسة متكاملة بهدف رفع كفاءة مُجمع الألومنيوم، لتطوير دورة العمل والتوسع في الإنتاج، لخفض فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الصعبة، وتخصيص جانب للتصدير.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية لشركة مصر للألومنيوم نحو 320 ألف طن سنويًا، وتمثل صادرات الشركة 60 -70% من حجم الإنتاج، إلى جانب تلبية احتياجات السوق المحلية.
ويشمل مشروع تطوير مجمع نجع حمادي إعادة تأهيل خطوط وخلايا الإنتاج القائمة ومنطقة الكهرباء، وإضافة طاقة إنتاجية حوالي 100 ألف طن سنويًا، ورفع جودة وكفاءة الإنتاج، بجانب إنشاء مصنع جديد لإنتاج الألومنيوم بمدينة سفاجا بطاقة إنتاجية نحو 300 ألف طن سنوياً.
كما كشف تقرير صادر عن المجلس التصديري لمواد البناء والصناعات المعدنية، عن ارتفاع قيمة صادرات مصر من الألومنيوم ومصنوعاته خلال النصف الأول من 2022، لتصل الى 433 مليون دولار مقابل 383 مليون دولار عن نفس الفترة من 2021، بنسبة نمو 13%.
وصدرت مصر منتجات الألومنيوم ومصنوعاته إلى 74 دولة خلال النصف الأول من العام الحالى، وسيطرت 10 دول على 85,3% من إجمالي صادرات مصر من الألومنيوم بقيمة 369,279 مليون دولار، مقابل 302,239 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2021، بنسبة نمو 22,2%.
وشهدت صادرات الألمونيوم ومصنوعاته من مصر ارتفاعًا بنسبة 10% خلال يونيو الماضي لتصل إلى 77 مليون دولار في مقابل 70 مليون دولار خلال نفس الشهر من 2021.
أما صناعة الحديد والصلب فعلى مدار التاريخ، كانت الدولة صاحبة ريادة في هذه الصناعة، بدء من مصنع الحديد والصلب بحلوان والذي ساعد الدولة كثيرا منذ نشأته وخاصة في حرب الاستنزاف والتجهيز لحرب أكتوبر حيث كان له دور رئيسي في بناء حائط الصواريخ، فضلا عن إسهاماته في بناء السد العالي، ومرورا بمصانع القطاع الخاص وما تساهم به في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ثم القيام مؤخرا بتدشين قلاع جديدة للصلب لمواكبة التطوير والتحديث.
وسجلت صادرات مصر من الحديد الصب والصلب خلال الـ 9 أشهر الأولى من 2022 نحو 1,016 مليار دولار، وذلك وفقا لتقرير المجلس التصديري لمواد البناء والصناعات المعدنية والحراريات، بتصدير حديد صب وصلب لنحو 81 دولة خلال الـ 9 أشهر الأولى من العام الجاري.
وسيطرت 5 دول على 59,6% من صادرات مصر من الحديد الصب والصلب بقيمة 605,881 مليون دولار، يأتي على رأسها إسبانيا بقيمة 220,496 مليون دولار مقابل 306,008 مليون دولار بتراجع بلغت نسبته 28%.

اقتصادية قناة السويس

ومن جانبه يؤكد النائب محمد بدراوي عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن هناك اهتمام كبير من القيادة السياسية للنهوض بالصناعات الثقيلة، موضحا ان هناك استراتيجية تم وضعها لصناعة السيارات، وتدعمها الدولة بشكل كبير، حيث ستكون نسبة المكون المحلي لا تقل عن 65% وبزيادة سنويا، بجانب إطلاق المجلس الأعلى للسيارات لتنظيم هذا القطاع، حيث نستورد من الخارج سيارات بنحو 4 مليارات دولار سنويا، وتخطط الدولة لتخفيض هذا الرقم بالاعتماد على التصنيع المحلي وذلك خلال الـ5 سنوات المقبلة بصورة تدريجية للانتهاء تماما من فكرة استيراد السيارات، ويقتصر الأمر فقط على استقدام بعض مدخلات الإنتاج وبنسبة لا تزيد عن 30%. للتصنيع المحلي
وتابع «بدراوي»، أنه بالنسبة لصناعة الحديد والصلب، فالإنتاج يكفي السوق المحلي ويتم تصدير الفائض، حيث يتخطى إنتاج مصانع الصلب المحلية 13 مليون طن سنويا، يستهلك السوق المحلي حوالي 9 مليون طن، مشيرا إلى أن ذلك نتاج خطة الدولة للتوسع في إنشاء المصانع بالعديد من المحافظات مثل بني سويف، والتي أضافت الكثير للطاقات الإنتاجية لهذا القطاع
وأوضح عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن الدولة تسعى للتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، وخلال الفترة المقبلة سيكون لدينا العديد من مشروعات الطاقة النظيفة، وخلال الـ10 سنوات المقبلة تخطط الدولة ليكون نصف استهلاكنا من الطاقة عبارة عن مصادر للطاقة الجديدة والمتجددة، وذلك عبر إنشاء محطات عملاقة لتوليد طاقة الرياح، بجانب الطاقة الشمسية.
وشدد على أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بما تتميز به من موقع رائع ووجود خدمات استثمارية جيدة، وأيضا بما تقدمة الدولة من تسهيلات للمستثمرين، فأنه من المتوقع أن تكون نقطة انطلاق للتوسع في الصناعات الثقيلة، مؤكدا أنه يتم الأن إدخال بعض التعديلات التشريعية على قانون الاستثمار مما يدفع بالمنطقة إلى جذب المزيد من الاستثمارات لخدمة الاقتصاد الوطني.
صناعات كثيفة العمالة
و أكد الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن الصناعات الثقيلة هي أبرز المحاور الاستراتيجية للاقتصاد، والتي تعتبر كثيفة العمالة والتمويل، وتكون لها أبعاد استراتيجية على المدي الطويل، تستهدف وجود ظهير صناعي قوي للدولة قادر على الصمود أمام الأزمات المحتملة، وعون لها لتوفير المستلزمات المحلية المطلوبة، مثل صناعات الحديد والصلب والألومنيوم والسيارات والبتروكيماويات والغزل والنسيج، وغيرها.
وتابع الخبير الاقتصادي قائلا : أن هذه الصناعات بحاجة دائمة إلى التطوير، وهو بالفعل ما تقوم به الدولة مؤخرا، مشيرا إلى أن جميع القطاعات الصناعية تشهد طفرة في التطوير والإحلال والتجديد لمواكبة العصر، فضلا عن توفير التمويل الضخم اللازم لهذه الطفرة التحديثية.
وقال إن مساهمات الصناديق السيادية تعد ملاذ أمن لهذه الصناعات، مشددا على ضرورة التعاون والتحديث المستمر لضمان تحقيق هذه الصناعات قيمة مضافة، واستيعاب هذا القدر الكبير من العمالة ضمن خطة خفض معدلات البطالة التي تتبناها الدولة.
وأوضح «بدرة»، أن ما تقوم به الدولة الأن هو إيجاد صناعة ثقيلة نتميز فيها، وتنافس بها في الأسواق العالمية، وهذا ما يتم الأن من خلال إجراءات تصنيع سيارة كهربائية، وغزو الأسواق العالمية بها وخاصة الأسواق الإفريقية والتي تعتبر سوق مهم للمنتجات المصرية، مشددا على أن خطط الدولة أن تكون نسبة المكون المحلي لا تقل عن 80%، لضمان تحقيق الهدف من هذه الصناعات والنهوض بالاقتصاد، بجانب خفض الاستيراد من الخارج لتخفيف العبء على النقد الأجنبي.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أننا لدينا ميزة نسبية أيضا في عدد من المنتجات أبرزها الأجهزة المنزلية والإلكترونيات، الأمر الذي يتطلب التسويق الجيد لهذه المنتجات خارجيا، موضحا أن الدولة تعمل على مواكبة التطور التكنولوجي وجذب مزيد من الاستثمارات في هذه الصناعات لتطويرها.