حول الاستراتيجية الوطنية للتشغيل

كتب: سيد أبوزيد سليمان
المحامى بالنقض والإدارية العليا
والمستشار القانونى لنقابة الصحفيين

تبذل الحكومة المصرية جهودا حثيثة من أجل القضاء على ظاهرة البطالة فى مصر، فالبطالة تعنى حالة الفرد الذى لا يستطيع العثور على عمل، والعاطل هو شخص قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه لكن دون جدوى. ونسبة البطالة فى مصر متغيرة وفقاً للفترات التاريخية سواء حقبة الستينيات أو الانفتاح الاقتصادى أو الفترة الحالية .. ففى عام 1960 بلغ عدد غير العاملين حوالى 200 ألف، ثم تزايد هذا العدد ليصل إلى 850 ألفا فى عام 1967، وبحلول عام 1986 تخطى هذا العدد المليونى عاطل، فأعداد العاطلين فى تزايد نتيجة الزيادة السكانية، بالإضافة إلى سوء الإدارة والتخطيط، وشيوع فلسفة الوظيفة الميرى، والسعى للحصول على المؤهلات العليا باختلاف أنواعها، دون مراعاة إذا كانوا سيجدون عملا أم لا، والعزوف عن المهن والشغل الخاص بإقامة المشاريع الفردية، وندرة العمالة المتدربة التى هربت إلى الخارج سواء إلى البلاد العربية أو الأجنبية لضعف المرتبات فى مصر، وقد بلغت قوة العمل فى مصر حوالى 29985 مليون فرد خلال الربع الثانى لعام 2022، وهى مقسمة ما بين 75,24 مليون بالنسبة للذكور، 134,5 مليون للإناث، بينما سجل عدد العاطلين 151,2 مليون متعطل بنسبة 2,7% وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وقد أرجع الخبير الاقتصادى إيهاب نافع استقرار معدل البطالة فى الفترة الحالية بمصر نتيجة استيعاب المشروعات القومية لأعداد كبيرة من العمالة، وكذلك العمالة المسربة من قطاعات أخرى، بالإضافة إلى ارتفاع صادرات مصر السلعية غير البترولية لتصل إلى 4,19 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضى بنسبة 20%، واستقرار معدل البطالة فى الربع الثانى من العام الحالى بالرغم من الأزمات التى تواجه الاقتصاد القومى، وهذا راجع إلى تغير ثقافة المواطن المصرى بالإقبال على أى وظيفة، حتى لو كانت فى غير تخصصه أو مؤهلاته، ولا يخفى على أحد ما تبذله الحكومة المصرية من جهود حثيثة من أجل القضاء على ظاهرة البطالة، وفى القلب منها وزارة القوى العاملة بقيادة حسن شحاتة وزير القوى العاملة، حيث قام بافتتاح ورشة عمل نظمتها الوزارة، ومكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، وجهات معنية بشأن الاستراتيجية الوطنية المصرية للتشغيل فى ضوء توجيهات الرئيس عبدىالفتاح السيسى، وانطلاقاً من الهدف الثالث لرؤية مصر 2030 والخاص بخلق اقتصاد قومى وتنافسى ومتنوع، من خلال زيادة معدلات التشغيل، وفرص العمل اللائقة، وتحسين بيئة العمل، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، والاقتصاد الأخضر، والتحول الرقمى، ودمج الاقتصاد غير الرسمى فى الرسمى.
وقد أكد وزير القوى العاملة فى مستهل كلمته حرصه على سرعة إنجاز الاستراتيجية الوطنية للتشغيل فى أسرع وقت ممكن، من أجل توثيق سياسات سوق العمل، وتقديم خدمات ومحفزات التشغيل، وتوفير المعلومات الحقيقية، والمشاركة بشكل عملى فى القضاء على البطالة. وأشار إلى أنه وضع كافة إمكانيات الوزارة للتنسيق مع الشركاء الاجتماعيين لإنجاز تلك الاستراتيجية مع الأطراف المعنية للخروج باستراتجية وطنية معلوماتية، وخدمة تتماشى مع متطلبات سوق العمل فى الجمهورية الجديدة.
كما أكد أهمية الاستراتيجية بالنسبة لمتغيرات سوق العمل المصرى، ورسم السياسات التى تعمل على توفير فرص عمل حقيقية للشباب، واصفا إياها بالعمل القومى لكل الجهات المعنية والوزارات المعنية فى هذا المجال، فى ظل التحديات التى تواجه سوق العمل، وتتطلب سرعة إنجاز تلك الاستراتيجية، والعمل على تغيير ثقافة الشباب فى اتجاه العمل الحر أو الخاص بالمشروعات الصغيرة، والاستفاده من إمكانيات الوزارة فى التدريب والتأهيل.
ودعا إلى الاستفادة من مراكز التدريب الثابتة والمتنقلة المنتشرة فى جميع محافظات الجمهورية، والتى تؤهل لمهن تحتاجها سوق العمل. وشدد أيضاً على تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة بسرعة الانتهاء من الاستراتيجية الوطنية للتشغيل الهادفة إلى توفير فرص عمل جديدة للشباب، وتتواءم مع الواقع الجديد لسوق العمل، وتتواكب مع المتغيرات الاقتصادية المفاجئة والتكنولوجيا الحديثة، والتعامل بفاعلية مع وظائف المستقبل .
كما أكد الدكتور أحمد درويش الاستشارى للاستراتجية الوطنية للتشغيل ووزير التنمية الإدارية الأسبق أن خطة الاستراتيجية تتركز على عدد من المحاور، منها مواجهة تحديات الهيكل الديموجرافى لمصر بشكل علمى مدروس، وعمل دراسات مجتمعية، فضلاً عن التأكد من توفير المهارات والتخصصات المطلوبة فى سوق العمل المستقبلى، موضحاً أن هذه الورشة التى يشارك فيها متخصصون تهدف إلى تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها، ومؤشرات قياسها والتحديات الراهنة، فضلاً عن تحديد الخطط الواجبة للتغلب على تلك التحديات.
أدار الجلسات الثلاث الدكتور أحمد درويش، حيث تضمنت الأولى مقدمة عن الاستراتيجية، وعرض تقرير عن توثيق الوضع الحالى. وتناولت الثانية حواراً تفاعلياً للاتفاق على الأهداف المطلوب تحقيقها بنهاية فترة الاستراتيجية. أما الثالثة فناقشت رصد التحديات والفرص لكل هدف .
وخلال الورشة جرى التأكيد على أنه قد تم تشكيل اللجنة التوجيهية لإعداد الخطة الوطنية للتشغيل بعضوية الوزارات والجهات الوطنية المعنية، وعقد أول اجتماع لها فى يونيو 2022، وأيضا أهمية التنسيق بين الجهات المعنية للخروج بمشروع الاستراتيجية التى تعتبر الأولى من نوعها فى مجال التشغيل فى مصر، مع الأخذ فى الاعتبار بعض التجارب الناجحة فى الدول الأخرى، مع عمل دراسة تحليلية لمطالب الوزارات، وتحديد الجوانب التى يتم العمل عليها،
جدير بالذكر أن الاستراتيجية تتكون من عدد من المراحل، منها تحليل الوضع الحالى والمنشود، والتعرف على التحديات والفرص للانتقال لإنجاز الهدف، واختيار أنسب الآليات للتحرك من الوضع الحالى للمنشود، والعمل من خلال تنظيم ورش مع الأطراف المعنية .
وقد شارك وفد من مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة وممثلون عن وزارات القوى العاملة، والمالية، والتخطيط، والتجارة والصناعة، والزراعة واستصلاح الأراضى والتنمية، والتعليم العالى والبحث العلمى، والشباب والرياضة، والمجلس القومى للمرأة، والبنك المركزى، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة، واتحاد الصناعات المصرى، واتحاد نقابات عمال مصر، ومجموعة مختارة من ذوى الهمم، واللجنة النقابية لمكتبة الإسكندرية، والنقابة العامة للعاملين بالإسعاف .. وهذا جهد علمى وعملى مشكور ونتوقع له النجاح والتوفيق .