عبدالوهاب خضر يكتب :باللغة العربية الفُصحى !!

يحتفل العالم في خجل مع بداية منتصف شهر ديسمبر الجاري باليوم العالمي للغة العربية ،وهي المناسبة التي لنا وقفة ورؤية بها ..

إن من العلامات الفنية المميزة للفنانة الراحلة ليلى مراد إجادتها الشديدة لمختلف الألوان الموسيقية من موشحات وأغان درامية واسكتشات كوميدية، فبعد “اضحك كركر” فى فيلم “قلبي دليلي” و”اللي يقدر على قلبي” فى فيلم “عنبر” جاءت أغنيات فيلمها “غزل البنات”عام 1949 لتتربع على عرش الأداء الكوميدي لها،والتي قدمت فيه أغنية “أبجد هوز”،مع العملاق نجيب الريحاني، والكلمات كانت للشاعر المبدع حسين السيد وألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب..وكانت “أبجد هوز” كلمات ولحن وأداء فى قالب ساخر وجرس إنذار وتوقع صحيح لما وصل إيه حال لغتنا العربية الجميلة اليوم،فى غالبية البلدان العربية،وخاصة ونحن نحتفل هذا الشهر وبالتحديد يوم 18 من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل فى الأمم المتحدة.

كلمات أغنية ليلي مراد:” ان جاء زيدُ او حضر عمرُ..طب واحنا مالنا ان شا الله ماحضرو.. والمبتدأ ح نجيبلك خبرو.. من نظرة واحده ح يصبح عدمو”، لعب فيها المؤلف والملحن على الوتر الحساس،فى وصف دقيق لزمن نعيشه الآن من الجهل اللغوي،وتدمير كل قواعد النحو واللغة..

إن الأخطاء اللغوية التي تظهر فى كتابات الأجيال الجديدة فى مختلف المهن،بل وفى خطابات بعض السياسيين والاقتصاديين،بل ومعظم المثقفين،لا تجعلنا نتذكر ما توقعته المبدعة ليلي مراد فقط، بل تجعل الإنسان الطبيعي والغيور على لغته يتمنى أن يكون كفيفا،وأصما حتى لا يلوث أذنيه بهذه الأصوات والأفعال والأخطاء المزعجة والرديئة التي تشبة لحن صرير الأبواب الصدئة،وتنفر وتقزز النفس،وتجلعنا نلتمس من وزارة البيئة قرارا جريئا ينقذنا من هذا النوع من التلوث السمعي والبصري..

إن مطالبنا بدور توعوي ومستنير للفن وقصور ودورالثقافة،وتطويرمناهجنا التعليمية بشكل مستمر سيحمينا من مشاهدة جيلا جديدا – حتى من الإعلاميين- غير متمكن من لغته ونقرأ لهم مثلا “الضيمقراطية” بدلا من الديمقراطية،و”لاكن” بدلا من لكن،و”حسيسا”بدلا حثيثا، وغير ها من الأخطاء الفادحة والمصطلحات السوقية فى عدد من شوارعنا ومدارسنا ومؤسساتنا المختلفة وأعمالنا الفنية،والتي تنذر بكارثة كبري تضيع معها الهوية والتاريخ والإبداع،وتنزلق معها الأمة إلى أسفل السافلين،وتتحقق معها تنبؤات مصطفى صادق الرافعى – رحمه الله – فى كتاب ” وحي القلم” وقوله :”ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ٌ “..

إن هذا المقال دعوة للتوقف والتأمل وإتباع كل السياسات التي من شأنها إحياء لغتنا العربية، وصناعة جيل جديد متمكن من لغته،وأحياء لتاريخ دافع فيه الشعراء بقصائدهم عن اللغة العربية،التي تحدثت عن نفسها فى قصيدة لحافظ إبراهيم،وقالت مستغيثة:” أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة.. وأسمَعُ للكُتّابِ فى مِصرَ ضَجّة.. فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي.. أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ إلى لغة لمْ تتّصلِ برواة.. سَرَتْ لُوثَة الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى لُعابُ الأفاعي فى مَسيلِ فُراتِ..فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة.. مشكَّلة الأَلوانِ مُختلفاتِ”..

وفى النهاية لا نمتلك إلا أن ننبه ونحذر من ثقافة الزغاليل فى أغنية ” أبجد هوز”،ونقرأ سورة يس على الزغاليل فى أغنية “باللغة العربية الفصحي”للمغنية سيرين عبدالنور..